الصفحات

الخميس، 7 مايو 2009

هيدرا (نتنياهو)!



رصاصات قاتلة أنهت عهداً وأذنت ببدء عهدٍ جديدٍ في السياسة الخارجية الإسرائيلية، والذي أطلق الرصاصات الغادرة هو (إيجال عامير) الشاب اليهودي المتعصب الذي استنكر على رئيس الوزراء الإسرائيلي (إسحق رابين) تفريطه للفلسطينيين في أرض كنعان وهي التي بنص التوراه ملك خالص لليهود!

فبعد مقتل (رابين) الذي كان يؤمن بحل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية تعيشان جنباً إلى جنب في سلام، تم نسف كل هذا مع مقدم (بنيامين نتنياهو) والذي تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية في عام 1996 وخلال سنوات عهده القليلة لم تشهد القضية الفلسطينية أي تقدم يذكر، فقد أدى نتنياهو ببراعة دور التاجر اليهودي مماطلاً زبائنه الفلسطينيين الذين أفرغوا جيوبهم دون أن يحصلوا على شيء.

وبعد أن كان مبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي خطا عليه سلفه (رابين) وتفاوض انطلاقاً منه مع الفلسطينيين، نجح (نتنياهو) في إرساء مبدأ جديد وهو "الأمن قبل السلام" والذي عارضه بشدة الرئيس المصري (حسني مبارك)، لكن دون أن يقابله تعاطي جدي من رئيس الوزراء الإسرائيلي.

لم يستطع (نتنياهو) أن يكمل فترة رئاسته، لتجرى انتخابات مبكرة يتلقى فيها هزيمة على يد غريمه زعيم حزب العمل (إيهود باراك)، يعتزل (نتنياهو) بعدها السياسة!

عاد مبدأ "الأرض مقابل السلام" يطفو على السطح مجدداً، ويتحدث عنه (إيهود باراك) في مفاوضاته مع الفلسطينيين بـ(كامب ديفيد) والتي فشلت لتتفجر بعدها الأوضاع بشكل حاد.

اندلعت الانتفاضة الفلسطينية منذرة بعصر جديد من الكفاح المسلح يتحداه بطل يهودي سابق يدعى (آرييل شارون) الذي ينجح في الانتخابات ويُنصّب رئيساً للحكومة متعهداً بدحر الانتفاضة الفلسطينية في 100 يوم فقط!

لا ينجح (شارون) في الوفاء بتعهده بدحر الانتفاضة، لكنه ينجح فيما فشل به (نتنياهو) من قبل، ألا وهو تطبيق نظرية "الأمن قبل السلام"، ويذهب (شارون) إلى ما أهو أبعد من ذلك وهو إقرارات عربية بضرورة الامتثال بالتهدئة شرطاً للدخول في عملية التفاوض، فلم نجد الاعتراض الحاد الذي طالما أبداه الرئيس المصري (حسني مبارك) من قبل ضد نظرية "الأمن قبل السلام" تلك.

غيبوبة عميقة تلقي (شارون) في المجهول ليأتي (إيهود أولمرت) الذي يسير على خطى سلفه مؤكداً على نظرية "الأمن قبل السلام"، والمقصود هنا بديهياً هو أمن (إسرائيل) بطبيعة الحال.

انتخابات جديدة وقبل موعدها الطبيعي (أصبح أمراً اعتيادياً) تأتي بمَن؟
آه، (نتنياهو) مرة أخرى رئيساً للحكومة!

لكن (نتنياهو) الذي يعيش حالة انتشاء سياسية حالياً بعد عودته رئيساً للوزراء مرة أخرى بشكل مثير، يدرك جيداً أن المناخ السياسي الذي صاحب فترة رئاسته السابقة مختلف تماماً عن الفترة الحالية.

(نتنياهو) الحالي لا يتمتع بأغلبية مريحة في الكنيست فحكومته على الرغم من أنها الأكبر (عدداً) في تاريخ إسرائيل إلا أنها أيضاً تشكل ائتلافاً هشاً من السهل أن ينهار في أي لحظة، وخصوصاً عندما (يجد الجد) ويبدأ مسلسل المفاوضات مع الفلسطينيين.

لذا كان لزاماً أن يخرج (نتنياهو) بنظرية جديدة وغير مسبوقة..
بيد أنه لا مجال الآن لنظريات الماضي التي عفا عليها الزمان، مثل مبدأ "الأرض مقابل السلام" أو حتى "الأمن قبل السلام"..!
فكانت نظرية (نتنياهو) الجديدة والتي تشبه أفعى (الهيدرا) الأسطورية لها ثلاثة رؤوس..!
"السياسة والأمن والاقتصاد"..

(نتنياهو) الحالي والذي تطور كثيراً عن (نتنياهو) السابق يخرج كل ما في جعبته من مهارات وقدرات اكتسبها من عمله في وحدات الكوماندوز في الجيش الإسرائيلي، والماجستير التي حصل عليها في إدارة الأعمال والخبرة التي نالها من عمله مديراً لأحد المعاهد البحثية في سبل مكافحة الإرهاب، ومؤكد أيضاً شهادة الهندسة التي حصل عليها من معهد مثل ماساتشوسيتس للتكنولوجيا!

هيدرا (نتنياهو) ذات الرؤس الثلاثة وكما تقول الأسطورة اليونانية إذا قطعت أحد رؤوسها سينبت مكانه رأسان آخران، وهو ما يظهر تماماً من المسارات التي سيلعب عليها (نتنياهو) في خطته الجديدة.

السياسة: مفاوضات بعضها علني والآخر سري، وتبادل للأسرى والمعتقلين، وحديث عن حق العودة لـ(بعض) اللاجئين، ووضع القدس في مفاوضات المرحلة النهائية، وحديث عن إمكانية تبادل وأيضاً استئجار أراضي!..
وقبل كل هذا المطالبة بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية من كافة الفصائل الفلسطينية.

الأمن: تأمين المستوطنات والمدن الإسرائيلية من خطر صواريخ المقاومة، والكف عن أي عمليات فدائية داخل العمق الإسرائيلي، ولا مانع من تبادل معلومات أمنية أو ما يعرف بالتنسيق الأمني.
وقبل كل هذا إيقاف تهريب السلاح إلى قطاع غزة.

الاقتصاد: فتح المعابر البرية والبحرية لدخول البضائع إلى داخل الأراضي الفلسطينية، ولا مانع من دخول العمال الفلسطينيين للعمل داخل إسرائيل، وحديث عن مشروعات اقتصادية مشتركة، والمكافأة الكبيرة ستكون إعادة فتح وتشغيل مطار غزة مجدداً.
وقبل وفوق كل هذا سيكون الإشراف الإسرائيلي متواجداً.

هيدرا (نتنياهو) ذات الرؤوس الثلاثة من الجائز أن تمد أحد رؤوسها إلى الأمام قليلاً، وتنحي الثاني جانباً كي يتراجع الرأس الثالث مؤقتاً..
..
وحتى لو تحركت الرؤوس الثلاثة إلى الأمام في الوقت نفسه، فيجب ألا ننسى أن جسمها المتصلة به سيكون غالباً لا يزال قابعاً في موضعه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق