الصفحات

الجمعة، 9 أبريل 2010

إعدام - قصة قصيرة





ظلم ظلم!
أين رجال الإعلام ليشهدوا هذه الجريمة؟
أين حماة القانون؟
قرار بإعدام عشرة دفعة واحدة دون محاكمة؟!
أين اختفى رجال القضاء؟
ما هذه الفوضى التي نعيشها؟!
التحقيق أثبت أنها مشاجرة أدت فقط لجروح سطحية بوجهه..
فهل مجرد جروح بوجه هذا الوغد تستدعي مجزرة الإعدام الجماعي تلك؟!
لكن طبعاً.. المعتدى عليه ليس مثل أي شخص..
إنه الابن المدلل للمسؤول الكبير..
المسؤول الذي يعمل له الجميع ألف حساب وحساب..
ولكن هل يبلغ الطغيان بهذا المسؤول أن يصدر قراراً بشعاً كهذا لمجرد الانتقام لابنه؟
مما صُنع قلب هذا الرجل؟
هل اختفت كلمة الرحمة من قاموس هذا الطاغية؟!
..
..
ها هو مساعده قادم لينفذ حكم الإعدام الهمجي..
مَن قال إن الطيور على أشكالها تقع؟
فهو قول ينطبق على مساعد الطاغية تماماً..
اعتاد أن ينفذ قرارات سيده دون مناقشة..
ولهذا أصبح من المحظوظين القلائل الذي نجوا من قرارات جائرة طالت زملاءه..
علاقة عجيبة تنشأ دائماً بين صاحب المنصب والمنتفعين حوله..
من المؤكد أن كلاهما يبغض الآخر بشدة في قرارة نفسه..
لكن المصلحة فقط هي ما تجمّع بينهما..!!
..
..
إعدام بالمقصلة!!
لا لا، من المؤكد أن هؤلاء القوم مختلون عقلياً..
فمَن يحمل كل هذه السادية في أعماقه ليس طبيعياً..
ليس طبيعياً على الإطلاق..!
..
..
بدأ مساعد الطاغية مهمته وأسكن رقبة الأول في مقصلته..
هوت المقصلة على الضحية الأولى ولكن..
يا للعجب!!
لقد أبت رقبة الضحية الأولى أن تطير هكذا ببساطة، فما زال هناك جزء يتدلى..
زمجرة مكتومة أطلقها المساعد قبل أن يهوي بالمقصلة ثانية على الجزء المتبقي من الرقبة ليطير تماماً..!
برقت عينا المساعد وهو يبتسم في ظفر، وعاود استكمال مهمته في حماس!
..
..
عشر ضحايا طارت رقابهم في دقائق معدودة..
عشر ضحايا لن يهتم لأمرهم أحد..
عشر ضحايا، لأن المسؤول الكبير فقط أمر بذلك..!

***

"يلا يا (هيام)، إحنا اتأخرنا..!"
انتزعت العبارة (هيام) من شرودها، فصاحت مجيبة أبيها الذي يقوم بالنداء عليها من خارج غرفتها:
- "أنا تقريباً خلصت يا بابا، حاضر!"
أتاها صوت أمها من الخارج وهي تحدّث أباها:
- "ما تقلقش يا أبو (هيام)، أنا متأكدة إنها خلصت مكياجها ما عدا حاجة واحدة بس"
سمعت أباها وهو يقول:
- "طبعاً، الحاجة اللي مهووسة بيها..!"
لم يتسن لوالدي (هيام) في تلك اللحظة أن يريا ابنتهما وهي جالسة تتأمل صورتها في مرآة الزينة الخاصة بها، وتعود لشرودها مرة ثانية..

***

"في بنت مؤدبة تعمل كده برضه يا (هيام)؟!"
خرجت العبارة في عنف من بين شفتي معلمة الفصل الذي تدرس به (هيام)، التي وقفت بجسدها الضئيل صامتة وعيناها ترقب باهتمام الطفل الذي يقف بجوارها وصوت بكائه العالي يكاد يصم الآذان.

لم تدرك لماذا رفضت الصراخ والاحتجاج بأن زميلها (طارق) الذي يبكي بجوارها الآن كان لا يتوقف عن عادته السخيفة في جذبها من شعرها الطويل، وكثيراً ما اشتكه لمُعلمة الفصل، ولكن في كل مرة يفلت الوغد الصغير بفعلته، لسبب وحيد فقط..

أن (طارق) هو نجل مدير وصاحب المدرسة، وهو الفتى المدلل لديه لدرجة أن المدرسين العاملين في المدرسة لا يجرأون على إغضاب الصغير إرضاءً لأبيه المتحكم في أرزاقهم.

ولكن (هيام) وفي المرة الأخيرة التي واصل (طارق) إزعاجه السخيف لها، قررت أن تردعه بطريقة مختلفة..
وبشكل يجعله لا يجرؤ على الاقتراب منها..
نهائياً..!

***

"أيوه كده يا أستاذ (سالم)، قُص لها ضوافرها كلها البنت قليلة الأدب دي!"
هكذا صاح بغضب الحاج (يحيى الغنّام) صاحب المدرسة مخاطباً وكيله الأستاذ (سالم) الذي امتثل للأمر دون نقاش كعادته دائماً مع الحاج (يحيى) الذي انتحى جانباً من الغرفة ممسكاً بيد ابنه (طارق) وقد توقف عن البكاء مراقباً ما يحدث لـ(هيام) وعلى وجهه تظهر علامات التشفي التي لم تدم إلا لثوانٍ معدودة لتتبدل إلى علامات ارتياع حين التفتت (هيام) إليه..
وعلى عينيها كانت هناك نظرة خاصة..!

***

"خلاص يا بابا، أنا خلصت..!"
صاحت (هيام) بالعبارة كي يسمعها والداها، قبل أن تغلق زجاجة طلاء الأظفار الخاصة بها، وتتأمل أظفارها الطويلة بنظرة يملؤها الزهو..
والامتنان..!





أسامة صابر
مارس 2010

هناك تعليقان (2):

  1. أسامة :
    قصة روعة تبين وتوضح مدى التسلط والجبروت ..
    تحمل القصة إسقاطات رائعة متميزة ..
    دمت مبدعا ..
    من تقدم لأخر .
    تقبل مروري

    ردحذف
  2. الصديق العزيز IMSA

    بالغ شكري لكلماتك الجميلة..

    نوّرت المدونة :)

    ردحذف