الصفحات

الخميس، 13 أغسطس 2009

معركة الإنترنت: كيف نهزم حكومتنا الغبية؟


تخيل نفسك بعد أن حجزت شهراً كاملاً في أحد الفنادق (إقامة كاملة)، فوجئت بإدارة الفندق تصدر قراراً يحدد لك عدد ساعات نومك على الفراش في غرفتك..!


وقبل أن تعترض سيادتك على القرار الغريب، ستجد مَن يبرر لك الأمر أنه اتخذ بهدف إطالة العمر الافتراضي لـ(سوست) الفراش، ولهذا ستتحدد فترة نومك بـ4 ساعات فقط يومياً..! (وسيتم توصيل الفراش بمجسات إلكترونية لغرض المراقبة)

وإذا لعب الشيطان برأسك وتجاوزت حدودك اليومية فسيتم سحب الفراش من غرفتك حتى نهاية الشهر عقاباً لك على إساءة استخدام الفراش، لكن من حقك بالطبع الاحتفاظ بالأريكة لتنام عليها حتى باقي الشهر الذي دفعت ثمنه كاملاً و(Full Board) ..!!

هذا تلخيص وعرض للأزمة الحادة التي يشهدها قطاع الإنترنت في مصر منذ أيام بعد صدور قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بتحديد كمية التحميل الشهري لكل مستخدم للإنترنت.

بالطبع هاج وماج الكثيرون من متضرري القرار وهم (للعجب) جميع مستخدمي شبكة الإنترنت بلا استثناء.. والذي ارتأى جهاز تنظيم الاتصالات أنه متضررون (بالرغم من عدم شكوى أحد!) ولذلك أصدر قراره الأخير.

والراصد لتحركات المعترضين يجد أنها (مع الاحترام والتقدير لمنظميها) تندرج تحت الاحتجاجات الانفعالية وغير المدروسة والتي لن تقدم أو تؤخر في حلحلة الأزمة.

فما جدوى الدعوة لمقاطعة شركات الإنترنت وقد أصبح الإنترنت أمراً ضرورياً مثل الكهرباء والمياه في كل منزل ومؤسسة؟!
فهل لو تلوثت مياه الشرب، نقوم بالدعوة لمقاطعة استخدام المياه بكافة صورها حتى ترضخ الحكومة وتقدم مياه نظيفة ونقية؟!
بالطبع خيار المقاطعة غير منطقي، لذا ينبغي استبعاد هذا التكتيك لعدم جدواه في هذه الحالة على وجه الخصوص.

إذن ما التكتيك الناجع والفعّال؟

الحكومة المصرية في عصر العولمة والتجارة الدولية مثلها مثل أي دولة أخرى لا تستطيع أن تتخذ قرارات تؤثر على مسارها الاقتصادي بعيداً عن أعين المجتمع الدولي عنها والمقصود بالمجتمع الدولي هنا هو الشركات العالمية وهي مَن يتحكم بطبيعة الحال في منظمة التجارة الدولية.

ومنظمة التجارة العالمية كانت نشأتها بغرض تحرير التجارة بين الدول وتذليل كافة العوائق التي تواجه الاستثمارات الدولية.

ولهذا تم توقيع بعض الاتفاقيات الملزمة لمصر وللآخرين من شأنها أن تحقق الهدف سالف الذكر للمنظمة العالمية.

ولكن جاء القرار الأخير للحكومة المصرية والخاص بتحديد كمية التحميل للإنترنت معرقلاً ومكبلاً لقطاع أصبح يشكل ركيزة أساسية في التجارة الدولية.

وخطورة القرار أنه سيعتبر خرقاً فاضحاً لبند من بنود اتفاقية التجارة الحرة وهو:

- التحرير الفوري لأسواق خدمات البيانات والإنترنت والخدمات ذات القيمة المضافة.

بالإضافة لإزالة كافة العوائق المقيدة للاستثمار وخصوصاً العوائق غير الجمركية وهي الحصص أو القيود الكمية التي تفرض على الواردات، تراخيص الاستيراد المطولة، الرسوم الجمركية الفرعية أو ما يماثلها، الإجراءات الجمركية، دعم الصادرات، معايير غير معقولة أو إجراءات وضع هذه المعايير والمواصفات، قيود المشتريات الحكومية، الحماية غير الكافية لحقوق الملكية الفكرية، وقيود الاستثمار والتي تقلص فرص نفاذ السلع أو الخدمات الأجنبية المنشأ إلى الأسواق.

الكلمات واضحة تماماً ولا تحتاج لشرح..

وما هي أبرز الشركات والهيئات الأجنبية التي ستتضرر من قرار الحكومة المصرية؟


- مواقع عرض مقاطع الفيديو وأشهرها Youtube، فبعد قرار الحكومة المصرية ستنهار بشكل حاد معدلات الدخول على هذه المواقع والتي يقدر رأس مالها بمليارات الدولارات فهل سيعجبها قراراً كهذا؟
- المواقع الإخبارية العالمية والتي أصبحت تعتمد بشكل ضخم على المرئيات ضمن محتوى الخبر الصحفي، فمن الذي سيضحي باستهلاك سعة تحميله ويشاهد هذه المرئيات؟
- الشركات العالمية لاستضافة المواقع والمنتديات والتي سيقل حجم مبيعاتها مع انخفاض السعات التحميلية للمستخدمين في مصر.
- شركات الدعاية والإعلان والتي ستعاني بسبب اعتمادها على تبادل الملفات كبيرة الحجم بطبيعة حال عملها.
- الشركات التجارية المصدرة والمستوردة والتي لن تتمكن من تفعيل خدمة الفيديو كونفرانس بكفاءة كونها تعتمد على سعة تحميلية عالية.
- الهيئات التعليمية والبحثية ستتأثر سلباً مع عدم التمكن من تبادل مواد فيديو خاصة بعملها.

ولأن الحكومة المصرية عادة لا تسمع إلا للصوت القادم من الخارج فيمكننا الانتظار قليلاً وسنرى أن القائمة السابقة ستبدأ في إجراءات مقاضاة الحكومة المصرية أمام منظمة التجارة العالمية بتهمة وضع عراقيل أمام خدمات الشركات الأجنبية.

لكن داخلياً ماذا نستطيع فعله؟

الشركات العاملة في قطاع السياحة يمكنها تقديم شكوى إلى غرفة السياحة المصرية حيث إن القرار سيكون بالتأكيد من العوامل المزعجة والطاردة للسائح الأجنبي.
جدير بالذكر أن غرفة السياحة المصرية لها نفوذ قوي على متخذ القرار في الحكومة المصرية وقد ظهر هذا في أحداث سابقة.

أما العاملون في قطاع الصحافة فيمكنهم تقديم شكوى إلى منظمة مراسلون بلا حدود والتي تهتم ببحث العراقيل التي تتواجد أمام الصحفيين في الدول المختلفة.
فمن المؤكد أن القرار سيمثل قيداً على حريتهم في البحث عن المعلومات أو تبادلها على شبكة الإنترنت.

باختصار، القرار الذي أصدرته الحكومة المصرية كان من الغباء الشديد حيث أنه لم يراع به أي بعد اجتماعي أو اقتصادي أو علمي على سائر طوائف الشعب المصري، ليس هذا فحسب بل على الاستثمار الأجنبي أيضاً.

فعلى كل طائفة متضررة من القرار أن تلجأ للهيئة التي تمثلها كنقابة أو رابطة أو اتحاد أو شعبة عسى أن تستشعر الحكومة المصرية مدى غباء وخطورة القرار الذي اتخذته أملاً في أن تتراجع عنه قبل أن يتطور الأمر وتبدأ الشركات الأجنبية بالفعل في مقاضاة الحكومة المصرية، وها هي قضية المستثمر المصري الإيطالي (وجيه سياج) الذي رفعها على الحكومة المصرية ما زالت حاضرة بالأذهان.

هناك تعليق واحد: